بقلم هبه إبراهيم
قد يبدو العنوان طبيعياً لك أيها القارئ، فأي شخص يعمل في وظيفة مستقرة و ثابتة يمكنه أن يدخر هذا المبلغ لأولاده من أجل تأمين مستقبلهم أو من أجل نفقات زواجهم، و لكن للأسف لا يملك جميع الشباب في العالم العربي هذة الفرصة التي يضعها الآباء بين أيديهم، فمع ارتفاع صراعات الحياة الاقتصادية ينهار الآباء أمام متطلبات اليوم، فكيف يمكنهم استيفاء متطلبات العصر!
يصبح الأمر مثيراً للاهتمام عندما تقوم طالبة بأخذ هذا التحدي على عاتقها و العمل في ثلاث مجالات من أجل تأمين مستقبلها بنفسها…
في هذة السطور أقدم لكم قصتي و التي أتمنى أن تفيدكم و تخبركم بطريق غير مباشر أن الأمر ليس مستحيلاً، كسب المال و ادخاره هو رزق، و الرزق بيد الله، وكلنا نعلم أن إلهنا كريم.
لماذا فكرت في الإدخار
كان عمري حينها تسعة عشر ربيعاً عندما تعثر والدي في سداد ديونه و أصدر الحكم بحبسه، والدي كان يعمل في إحدى المصالح الحكومية و كان يدير مشروعاً صغيراً بجانب عمله، سيارة أجرة تدر مدخولاً جيداً يمكن من خلال سد احتياجات أطفاله الأربعة اليومية. كانت الأمور في البداية على ما يرام، إلى أن أقدم والدي على أخذ قرض بمبلغ كبير لشراء السيارة وعزم على أن يسدد القرض…
أقساط القرض من مدخول الأجرة، لكن و على غير المتوقع فإن خبرة أبي القليلة في القيادة قادته إلى ضياع السيارة و إصابته بعجز مستديم، الأمر الذي لم يكن على الحسبان أبداً.
حينها كان الأحرى بي أن أترك تعليمي و أعمل حتى ادخر نفقات زواجي و التي سوف تساعدنا على تأسيس حياتي الخاصة و شق طريقي عن أب تم صدور حكم حبس عليه، و أم بالكاد تستطيع سد نفقات الطعام و الشراب.
رأيت أنه لا قيمة لتعب والدي طيلة السنين الماضية لو تركت تعليمي الذي هو بمثابة شرف لي على شرفي، لهذا فكرت أن أعمل إلى جانب التعليم.
و من هنا البداية
طيلة خمس سنوات تقريباً عملت كمساعدة في إحدى شركات خدمات تنقية المياه إلى جانب الدراسة و إلى جانب العمل الحر على موقع خمسات أيضاً…
في السنة الثالثة من بداية قراري بالعمل فكرت في أنه لما لا يكون لي مجالي الخاص، و الذي سوف يساعدني عليه عملي في هذه الشركة الكبيرة، كان العمل يتألف من مزيج بسيط من التسويق السهل الشفهي للعملاء و أيضا العلم بأمور الحساب البسيطة!
قمت بتسويق خدمات فلاتر المياه على جيران بيتنا و أهل قريتنا…. أن تعيش بصحة جيدة و تتجنب أمراض الكبد و الكلى هي أقصى أماني هذه القرية البسيطة، فلم لا تساعدهم على تحقيق جزء من أمانيهم.
هنا بدأ عملى الثالث و هو السمسرة، أصبحت وسيط بين الشركة والعملاء الذين استقطبهم من أهل القرية، و ذلك عاد علي بمبالغ جيدة جداً بالنسبة لمدخولي السابق.
و من هنا بدأ حلمي بادخار نفقات زواجي يصبح حقيقي شيئاً فشيئاً.
النجاح حليف الصابر
ربما تتساءل، كيف يكون عملي بثلاث مهن هو مجرد نقطة بداية؟
عملي بهذه المهن الثلاثة قد يأمن لي ادخار هذا المبلغ و زيادة!
لكن ليس من طريق ممهد في رحلة الادخار الشاقة، وسط ضغوطات الدراسة و التي تستلزم مني قضاء وقتاً على الأقل أربع ساعات في الجامعة فضلاً عن وقت الامتحانات و الذي يحتاج تخصيص أياماً لاجتياز السنة إلى تاليتها…
هذا العائق كان لا شيء أمام اجتهادي في العمل، و الذي ساعدني على التغلب عليه زيادة مبيعات الشركة بنسبة كبيرة بفضل اجتهادي.
كانت الزيادة في المبيعات أكبر سبب ليوافق رئيسي بالعمل على منح إجازات بصفة منتظمة مع حلول الامتحانات دون أن يتأثر الراتب أو العمولة من العملاء من طرفي.
بكل بساطة كنت أذاكر و انا أحصل على المال فضلاً من الله ونعمة.
غير أنني كنت في حاجة إلى تقليل نفقات المصاريف الدراسية إلى أبعد حد، إلى جانب تقليص متطلبات ما تحتاجه أي فتاة في عمري من زينة و ملابس خصوصاً أن مرحلة الجامعة هي عبارة عن سباق تتنافس فيه الفتيات في الأناقة و الجمال!
لكن بفضل الله كان لدي يقين أنني أتعب اليوم لأنال غداً، كان بجانبي رجل يدعمني يعلم أنني قدر المسؤولية التي حملتها على أكتافي….. قصته لا تختلف كثيراً عن حكايتي فكلانا كافحنا من أجل هدف شريف و الحمد لله هو زوجي الآن.
ما الدروس المستخلصة من تجربتي؟
١- اليقين بأن استمرار المحاولة مع المرونة في الاستفادة من أخطائك هو سبيل وصولك لما تريد، فعندما تعمل عملاً ولا تفلح فيه كن ذا مرونة بالبحث عن آخر. أفضل مجالات العمل بالنسبة للفتيات و التي أعتزم على العمل في إحداها كنوع من تجربة عمل جديد ( كمسوقة إلكترونية لعرض الملابس على الانستجرام بحوالى ٥٠٠ جنيه في الاعلان الواحد!، أو كمعلمة للأطفال مقابل ٢٠٠٠ جنيه أسبوعياً)
٢- الفكرة كنز ثمين، ابحث دائما عن أفكار، فكل ما وصلت إليه كان لفكرة، بداية عملي كسمسارة كانت مجرد فكرة عائمة حولتني لإمراة ناجحة. اقترح أيضاً علي أحد الأشخاص المقربين إنشاء شركة خاصة بي، و سوف يساعدني بذلك خبرتي بكل تفاصيل عملي الحالي. فضلاً إلى أن عملي الحر كان أيضا فكرة و ساعدني على ربح حوالى ٢٤٠ دولار شهرياً، أي حوالى ٤٠ ألف جنيهاً مصرياً في السنة الواحدة!
٣- اجعل لك حافزاً على الادخار… اذكر أنني عندما قمت بفتح حساب في بنك مصر المرموق و المعرف عنه ثراء من يدخر فيه، قمت فقط بإيداع الحد الأدنى (حوالي ١٥٠٠ جنيهاً)، و هذا كان كل ما معي. و رأيت سخرية على شفتي الموظفة…… بعد فترة و عندما أصبح رصيدي مبلغاً كبيراً كنت أصمم على الذهاب إليها و الطلب منها أن تصدر كشف حساب، وعندها تذكرتني و ادركت أنا ما قالته صامتة! ربما كان حافزي صدفة، و لكن أثناء انتظار دوري كنت أرى أشخاص كثر يودعون مبالغ لا يستطيعون حملها! قررت بكل بساطة أن أكون مثلهم ، قربي من مكان ادخارهم حفزني على ذلك .
٤- لا تهمل نفقاتك بسبب الادخار، إنك تضعف نفسك من عزيمتها على الاستمرار عندما تحرم نفسك من الحاجات الأساسية أو الشبه رفاهية كالملبس مثلاً. أنا في المجمل كنت أنفق حوالي ١٠٪ من دخلي السنوي على حاجاتي الأساسية بشكل مناسب، و ربما أقل من المناسب…. لكن على الأقل لم أحرم نفسي من بهجة الاهتمام بها.
اضف تعليق