بقلم: فاروق علي
مع مرور السنين تقدم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير وبوتيرة متسارعة شيئاً فشيئاً. حيث أصبح بمقدور الآلة الولوج إلى كميات كبيرة من البيانات أو ما يعرف بـ Big Data ومعالجة المعلومات الموجودة في هذه البيانات لتحصيل المعارف منها.
وبحكم عملي الممتد وخبرتي في هذا المجال فقط لاحظت هذا النمو المتسارع في هذا المجال فبعض الأشياء التي كانت تقدم نتائج مضحكة منذ 5 سنوات أصبحت الآن تعطي دقة كبيرة في نتائجها بعضها يفوق قدرة الإنسان.
مثلاً عملت منذ فترة قريبة مع فريق عمل على بناء نظام لاستبدال نظام بصمة اليد في احدى المؤسسات بنظام لبصمة الوجه حيث قمنا باستخدام بعض الخوارزميات المطورة سابقًا واستطعنا أن نحصل على نتائج مذهلة. لم يكن في السابق بمقدورنا الحصول على هذه الدقة.
لكن هناك العديد من التحديات التي تواجهنا إبان التقدم السريع في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، حيث أننا نواجه بعض المعضلات الأخلاقية انتقالاً من الثقة والأمان الخاصين بهذه المنتجات (خصوصاً أن معظمها لا يزال قيد التطوير) و وصولاً إلى سرقة شواغر العمل حيث تسبب انتشار البطالة والازدياد في حالات انعدام المساواة.
هل حان وقت الخوف من الذكاء الاصطناعي؟
نشرت شبكة الـ BBC منذ فترة وجيزة مقالاً بعنوان “ما هي حقيقة قصة الذكاء الصناعي “المخيف” في فيسبوك؟” حيث أفادت هذه المقالة أن الذكاء الاصطناعي الخاص بشركة فيسبوك استطاع أن يطور لغة خاصة به مما أثار الكثير من التساؤلات لدى العديد من الصحف العالمية مثل ذي إندبندنت والغارديان ونيويورك تايمز حول ماهية هذه القفزة.
لكن هل من المنطقي البدء في الخوف من تقنيات الذكاء الاصطناعي والبدء في محاربتها؟
بالنسبة لي وبحكم عملي في هذا المجال اعتقد ان السينما ساهمت بتعزيز هذا الخوف من تقنيات الذكاء الاصطناعي وما يمكن ان تفعله بالنسبة للبشر دون التركيز على الفوائد الجمّة التي يمكن أن تجنيها البشرية من هذه التقنيات.
أهم مشاريع الذكاء الاصطناعي في العالم
هناك دراسة حديثة قام بها مركز الأبحاث جارتنر تقول إن تقنيات الذكاء الاصطناعي سوف تسهم في مساعدة الأشخاص ذو الاحتياجات الخاصة وإيجاد فرص عمل لهم مما يزيد مساهمتهم في المجتمع. حيث أن تطبيقات مثل المساعد الشخصي وأيضا برامج المحادثة الآلية أصبحت منتشرة كثيرا هذه الأيام.
وقالت نائبة رئيس الأبحاث لدي المركز السابق هناك العديد من المؤسسات استفادت كثيرا من تقنيات الذكاء الاصطناعي ووفرت بيئات قادرة على استيعاب ذو الاحتياجات الخاصة للعمل فيها، فمثلا ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير كرسي متحرك يساعد المقعدين في العمل ضمن المطاعم بوظيفة نادل.
أيضًا هناك العديد من التطبيقات لتقنيات الذكاء الاصطناعي في العالم، على سبيل المثال لا الحصر فإن خوارزميات الذكاء الاصطناعي لدى شركة امازون تقوم بشحن المنتجات الخاصة بك حتى قبل ان تطلبها من الشركة حيث انها تتنبأ سلوكك من خلال نشاطاتك التي لم تعد سرا على هذه الشركات.
أيضًا شركة فيسبوك التي تقدم لك المحتوى الذي تتوقع أن يعجبك من خلال دراستها لسلوكك على الموقع حيث تضمن تواجدك لأكبر فترة ممكنة ضمن تطبيقاتها.
كما تم تطوير ذكاء اصطناعي قارئ للشفاه والذي يستطيع قراءة شفاه المتكلم أفضل من خبراء قراءة الشفاه أليس هذا مدهش حقاً؟! هذا يذكرني بقول الباحث فيكتور ماير شونبرغر أن الذكاء الاصطناعي سوف يكون قادر على سلبنا القدرات التي تجعلنا متميزين كبشر.
لكن أين نحن في العالم العربي من هذه الثورة التقنية الكبيرة في هذا المجال؟
حدثني صديق لي يعمل في إحدى الشركات العربية أنهم كانوا يعملون على تطوير تطبيق لإحدى المؤسسات بحيث يكون هذا التطبيق قادراً على قراءة لوحات ارقام السيارات باللغة العربية.
وبعد العمل حوالي ستة أشهر على احدى الخوارزميات الشهيرة لجعلها ملائمة للغة العربية تفاجأوا أن التطبيق لا يستطيع التمييز بين الرقمين سبعة وثمانية!
وكان هذا أمر محزن…. كيف لم يلاحظ ذلك منذ البداية؟
هذا يجعلنا في حيرة حقاً هل العرب يملكون القدرة على المنافسة في هذا المجال؟
برأيي الشخصي سأقول نعم حيث هناك توجه كبير في العديد من الدول العربية لتعزيز هذا المجال فمثلاً في دولة الامارات تم إنشاء مجلس الذكاء الاصطناعي الذي قام بالعديد من المشاريع في المؤسسات الحكومية وساهم بإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمة مما أدى لجعل الامارات من أفضل الدول في مجال التعليم.
أما في المملكة العربية السعودية فمنذ تم إطلاق رؤية 2030 فإن المملكة ساهمت في انتعاش تقنية ضمن مجال الذكاء الاصطناعي معرفياً وتطبيقاً في المؤسسات الحكومية والخاصة، وتم تأسيس “الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي” التي كان لها دور كبير في العديد من المشاريع.
خاتمة
عندما قال دان براون في روايته الشهيرة (الأصل) أن الجنس البشري سوف ينقرض بحلول عام 2050 لم يكن يقصد أن الذكاء الاصطناعي سوف يقضي على البشر ويشن حرب عليهم بسبب التطور الهائل الذي سيصل اليه هذا المجال. إنما كان يقول إن الطبيعة البشرية سوف يتم تحويرها بحيث يتنج لدينا صنف جديد هو عبارة عن صنف هجين بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.
أي أن طفرة سوف تحصل على البشر مما يجعلهم نصف بشري ونصف آلي…
وهذا تعزز كثيراً عندما قام إيلون ماسك بطرح شريحة يمكن زرعها في الخلايا المخية، و هذه الشريحة سوف تساعد على تحسين قدرات البشر العقلية بشكل هائل ويقول المتفائلون أنه سوف تمكننا من استخدام 100% من قدرة أدمغتنا.
بحكم عملي في هذا المجال لا اعتقد ان أي شيء مستبعد طالما أخذ الوقت والجهد الكافي لقدومه إلى الحياة….
وأننا نحن العرب قادرون بمزيد من الوقت والجهد والتركيز أن نكون جزءاً من هذه النقلة في التاريخ البشري.
اضف تعليق